يؤثر الحقّ غاية الإيثار من قبل هذه الأسباب كلّها ولا سيّما لأنّه لم يكن بعد تهيّأ له من قبل تقدّمه من الأرصاد المستقصاة ما يتوصّل به إلى ما يريده كما تهيّأ لنا نحن منها من قبله قصد إلى الأصول التي يعمل عليها في الشمس والقمر فبحث عنها وبيّن بغاية ما قدر عليه أنّها إنّما تكون لحركات مستوية وعلى استدارة فأمّا الأصول التي يعمل عليها في الكواكب الخمسة المتحيّرة فلم نجده في شيء ممّا وقع إلينا من كتبه شرع فيها أصلًا بل اقتصر على أن أثبت الأرصاد التي وقعت لها لما في ذلك من فضل الانتفاع به وبيّن بها أنّ ما يظهر غير موافق للأصول التي كان يعمل عليها أصحاب التعاليم في ذلك العصر فإنّه يشبه أن يكون كان يرى أنّه ليس ينبغي أن يقتصر على الحكم بأنّ كلّ واحد منهما له اختلافان ولا على أنّه قد يكون لكلّ واحد منهما رجوعات وأنها غير متساوية ومبلغها كذا على أنّ سائر أصحاب التعاليم إنّما بنوا الأمر في براهينهم الخطوطيّة على أنّ الاختلاف واحد بعينه وكذلك الرجوع ولا على أنّ هذين الاختلافين إنّما يكونان على دوائر خارجة المراكز /H211/ أو على دوائر مركزها مركز فلك البروج إلّا أنّها تتحرّك بأفلاك تداوير أو على أمر يتمّ بالأمرين جميعًا والاختلاف الذي من قبل فلك البروج مبلغه كذا والاختلاف الذي بالقياس إلى الشمس مبلغه كذا فإنّ ذلك شيء قد نظر فيه جميع من رام أن يدلّ على الحركة المستوية في الاستدارة بالجدول الذي يسمّى الأبديّ إلّا أنّ ذلك قد اجتمع فيه أنّه بغير برهان وأنّه باطل وذلك أنّ بعضهم لم يلزم أصلًا ما يجب فيما قصد لتبيينه وبعضهم إنّما لزمه إلى موضع ما ثمّ فارقه بل كان أبرخس يرى أنّ من بلغ من جميع التعاليم هذا المبلغ من الاستقصاء وتحرّى الحقّ فليس يكتفي بالوقوف عند المعرفة بذلك كما ظنّ غيره من أنّ ذلك لا نقص عليهم فيه لكنّ الواجب على من قصد أن يقنع نفسه ومن يخاطبه أن يبيّن مقدار كلّ واحد من الاختلافين وأدوارهما بما يرى رؤية بيّنةً ويتّفق عليه وأن يخلط أيضًا الأمرين أعني وضع الدوائر التي يكون عليها هذان الاختلافان ومراتبها فيستخرج من ذلك العلم أيضًا بجهة حركتها ثمّ يطابق بأخرة ه: بأخرة جميع ما يوجد عيانًا إلّا الشاذّ منه بالجهة التي تخصّ الأصول التي وضعها فأنا أحسب أنّه قد كان تبيّن له نفسه فضلًا عن غيره أنّ هذا أمر عسير ولم أقل ما قلته من ذلك على جهة الافتخار به بل إنّما قلته كيما إن اضطرّنا هذا المعنى في نفسه في موضع من المواضع إلى أن نستعمل أشياء خارجة عن القياس مثال ذلك أن نقيم البراهين في الدوائر مجرّدةً التي ترسمها /H212/ حركة هذه الكواكب في أكرها ونعمل على أنّها في سطح فلك البروج نفسه لأنّ ذلك أسهل في إقامة البراهين أو إلى أن يضع أشياء يجعلها أوائل من غير أن يكون بدء أمرها كان من أمر ظاهر لكنّها استخرجت بالمحنة المتّصلة فوجدت موافقةً مطابقةً لما وضع أوّلًا أو ألّا تجعل فيها كلّها الجهة في حركة الدوائر أو ميلها جهةً واحدةً لا تختلف لم ننكر ذلك وأجريناه مجرى ما يسلّم علمًا ما لأنّ استعمال شيء ممّا هذه سبيله ما لم يلزم من قبله فضل ذو قدر يعتدّ به أصلًا فليس يدخل ضررًا في الأمر المقصود له وأنّ ما وضع وضعًا من غير برهان فبعد أن يوجد موافقًا للأمور الظاهرة فليس يمكن أن يكون وجد من غير سلوك سبيل من سبل العلم وإن كانت الجهة التي بها أدرك يعسر وصفها لأنّ المبادئ الأول إمّا ألّا يكون لها بالطبع سبب أصلًا وإمّا أن يكون إن كان لها سبب فإنّ العبارة عنه يصعب مرامها وأنّه ليس ينبغي أن يستنكر الاختلاف الذي يقع في بعض المواضع في جهة الأصل الذي يعمل عليه في الدوائر ولا يظنّ أنّ ذلك خارج من القياس إذ كانت الأمور أيضًا التي ترى في الكواكب