فقد بقي أن يكون كريّاً. ومنها أنّ جميع الأجرام الأرضيّة التي يعرض لها الفساد فطرت في أشكالها من قطع استدارات مختلفة الأجزاء، وجميع الأجرام السماويّة فطرت في أشكالها كريّة متشابهة الأجزاء. لأنّها لو كانت مسطوحة أو بشكل القصعة لم يكن يراها كلّ من يراها في وقت واحد ومن نواح مختلفة من الأرض مستديرة. فمن أجل ذلك ينبغي أن يكون الأثير المحيط بها إذ هو شبيه بطبيعتها كريّاً ولأنّ أجزائه متشابهة تكون حركته مستديرة باستواء.
⟨I.4⟩ د: في أنّ الأرض بجلّ أجزائها كريّة عند الحسّ بالقياس إلى الكلّ ه: يعني كلّ الأرض أي جملتها
ويستبين لنا أنّ الأرض بجلّ أجزائها كريّة الشكل في الحسّ، من أنّا نرى الشمس والقمر /H15/ وسائر النجوم ليست تطلع وتغيب في كلّ موضع في وقت واحد، ولكن طلوعها على أهل المشرق وغيبوبتها عنهم قبل طلوعها على أهل المغرب وغيبوبتها عنهم. ونعلم ذلك من أنّا نجد أرصاد أزمان الكسوفات، ولاسيّما القمريّة، التي كانت في زمان واحد، لم نجدها الذين أثبتوا ذكرها من القدماء في ساعات متساوية البعد من نصف النهار. ونجد أبداً الساعات التي أثبتها من قاس من المشرقيّين أكثر تأخّراً عن نصف النهار ممّا أثبت ذكره المغربيّون. ولأنّا نجد أيضاً اختلاف الساعات على قدر البعد فيما بين المواضع يجب أن نقول أنّ بسيط الأرض كريّ لأنّ تشابه جلّ أجزاء الأرض في الاستدارة يستر أبداً في المواضع الذي الذي؛ صح: التي يتلو بعضها بعضاً على قياس واحد.
ولو كان شكل الأرض غير كريّ لم يكن كذلك، ويستطيع أن يعلم أيضاً ذلك مّما أقول. لو كانت الأرض مقعّرة، لكانت ترى النجوم تطلع أوّلاً على المغربيّين؛ ولو كانت مسطوحة لكانت تطلع /T41/ على جميع أهل الأرض في وقت واحد؛ ولو كانت مثلّثة أو مربّعة أو شكلاً آخر من الأشكال الكثيرة الزوايا لكانت أيضاً النجوم تطلع في وقت واحد على جميع من يسكن في سطح واحد وعلى خطّ واحد مستقيم. وليس يرى شيء من ذلك. وليست الأرض أيضاً بأسطوانيّة الشكل، بسيط استدارتها إلى المشرق والمغرب،/H16/ وسطحا قاعدتيها إلى قطبي العالم، كما ظنّ قوم أنّه أقرب إلى الإقناع؛ لأنّها لو كانت كذلك لم يكن أحد ممّن يسكن على استدارتها يرى شيأً من النجوم ظاهراً أبداً، بل كانت النجوم إمّا كلّها تطلع وتغرب أبداً على جميعهم، وإمّا كواكب بأعيانها بعدها من واحد واحد من القطبين بعد سواء أبديّة الخفاء عند جميعهم. وقد نرى أنّا كلّما سرنا إلى ناحية الشمال فبقدر إمعاننا فيها يكثّر ما يغيب عنّا من النجوم الجنوبيّة وما يظهر لنا من الشماليّة. فيستبين لنا باستواء ما تستره استدارة الأرض عنّا في هاتين الجهتين إذا قيس بعضه إلى بعض في جميع نواحيها ↑نواحيها↑: النواحي أنّها كريّة.
وكذلك أيضاً إذا نحن سرنا في البحر إلى جبال أو إلى مواضع شامخة مشرفة من أيّ الآفاق وإلى أيّها ه – اخ: كان نرى تزيّدها قليلاً قليلاً كأنّها تطلع من البحر وكأنّها كانت راسبة فيه قبل ذلك؛ فيستبين لنا أنّ ذلك من قبل استدارة بسيط الماء.
⟨I.5⟩ ه: في أنّ الأرض في وسط السماء
ومن بعد علّمنا بهذا، إن طلبنا أن نعلم موضع الأرض، /H17/ وجدنا أنّه إنّما يكون ما ظهر لنا فيها كما نرى