فقد اخطّوا إذ جعلوا القياس بما يعرض لهم لا بما يلزم الكلّ. ولو علموا أنّ قياس الأرض عند الجرم المحيط قياس النقطة والمركز لم يروا هذا عجباً. لأنّهم كانوا يرون أنّه قد يمكن بهذه الجهة أن يكون الذي هو في غاية القلّة بالقياس إلى الذي هو في غاية العظم مستمسكاً من قبل شطب الكاتب «أنّ» الذي هو في غاية العظم متشابه الأجزاء /H23/ حتّى يكون الذي هو في غاية القلّة باقياً في موضعه ويتدافع ما حوله من جميع نواحي الذي هو في غاية العظم تدافعاً متساوياً متشابهاً لأنّ العالم في نفسه ليس له فوق ولا أسفل كما أنّه لا يتوهّم ذلك في الكرة. وأمّا الأجرام التي فيه ه – صح: فيها فبقدر حركاتها الخاصّية الطبيعيّة تذهب الخفيفة منها اللطيفة إلى ظاهر العالم البسيط المحيط، فنظنّ أنّ حركتها إلى فوق عند كلّ قوم لأنّ ما علا الرؤوس المسمّى فوق هو في جهة البسيط المحيط؛ وأمّا الثقيلة الغليظة فتذهب إلى المركز ونظنّ أنّها تقع إلى أسفل، لأنّ ما يلي أرجل جميع الناس المسمّى أسفل هو في جهة مركز الأرض ولذلك تجتمع حول الوسط من مدافعة بعضها لبعض من جميع الجهات مدافعة متساوية متشابهة. ومن أجل ذلك صارت الأشياء الثقال وإن صغرت تلحق كلّيّة الأرض على عظم قدرها عند قدر ما يهوي إليها إذ هي ثابتة قابلة لكلّ ما وقع إليها من جميع النواحي. ولو كانت للأرض وما سواها من الأجسام ه – اخ: الأجرام الثقال حركة واحدة مشتركة، لكانت الأرض بفضل عظمها وثقلها ستسبق كلّ ما سواها ه: فتسفل /H24/ وتخلف الحيوان وما سواه من الأجرام الثقال في الهواء وكانت تنفد سريعاً جميع ما يحيط بها وجرم السماء ألبتّة والتوهّم فقط لهذا وشبهه ضحكة.
إلّا أنّ قوماً لمّا لم يكن عندهم ما تنقضون به هذا الرأي سلّموا ذلك وظنّوا أنّهم إن قالوا إنّ السماء غير متحرّكة وإنّ الأرض متحرّكة على محور واحد من المغرب إلى المشرق وتدور في كلّ يوم دورة واحدة على التقريب؛ أو أنّ السماء والأرض ه: جميعاً متحرّكتان على محور واحد كما ذكرنا /T45/وبقدر ما يلحق إحداهما الأخرى لم يكن شيء ينقض ذلك. وكان قولهم في ظنّهم مقنعاً وذهب عليهم أنّ من قبل ما يظهر من النجوم فليس يمتنع أن يكون ذلك كما ذكروا على التوهّم المطلق، فأمّا من قبل ما يعرض فينا وفي الهواء فيستبين أنّ قولهم أعظم ما يكون من الجهل. وإن نحن سلّمنا لهم ما هو خلاف للطبيعة أن تكون الخفيفة اللطيفة المتشابهة الأجزاء إمّا أن لا تتحرّك ألبتّة وإماّ أن تكون حركتها غير مخالفة لحركة ما يضادّها في الطبيعة على أنّا قد نرى عياناً أنّ الهواء وأشياء آخر أقّل لطفاً منه أسرع تحرّكاً ممّا هو أرضي؛ /H25/ وسلّمنا لهم أيضاً أن تكون للثقيلة الغليظة المختلفة الأجزاء حركة خاصّيّة سريعة متساوية على أنّا قد نرى أنّ الأشياء الأرضيّة عسرة القبول لتحريك غيرها لها. فهم مقرّون أنّ حركة الأرض أسرع من كلّ الحركات اللواتي حولها بعودتها إلى موضعها في مثل هذا الوقت اليسير؛ ولو كان الأمر كذلك لكان جميع ما ليس مستقرّاً عليها يحسّ أبداً متحرّكاً بخلاف حركة الأرض. ولم يكن نرى حركة للسحاب إلى المشرق أبداً ولا لشيء من الطير ولا لشيء ممّا يرمى به لسبق الأرض لكلّ شيء أبداً